فصل: (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ:

(وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ. وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَالْمُنْفَرِدَ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ)، وَالْمُقْتَدِيَ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ (وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ) وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ حَيْثُ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ، وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ هُوَ السُّتْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَمَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (وَإِنَّ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) سَبْقُ الْحَدَثِ وَوُجُودُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا مِنْ الْعَوَارِضِ وَهِيَ تَتْلُو الْأَصْلَ فَأَخَّرَهَا، وَقَدَّمَ هَذَا لِثُبُوتِ الْوُجُودِ مَعَهُ دُونَ كَرَاهَةٍ بِخِلَافِ مَا يُفْسِدُ وَيُكْرَهُ.
قولهُ: (انْصَرَفَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ يُفِيدُهُ إيقَاعُهُ جَزَاءَ الشَّرْطِ خَبَرًا فَيَلْزَمُ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْكَذِبُ، فَإِنْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ رُكْنٍ فَسَدَتْ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي.
وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ آيِبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ، وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ، وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا فَرَفَعَ مُسْمِعًا لَا يَبْنِي لِأَنَّ الرَّفْعَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ، فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ مُكَبِّرًا نَاوِيًا إتْمَامَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ لَا إنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، وَشَرْطُ الْبِنَاءِ كَوْنُهُ حَدَثًا سَمَاوِيًّا مِنْ الْبَدَنِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مُنَافٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، فَلَا يَبْنِي بِشَجَّةٍ وَعَضَّةٍ وَلَوْ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِإِصَابَةِ نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ بَنَى اتِّفَاقًا. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ ذَاكَ غَسَلَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا تَبَعًا لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ حَدَثِهِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْنِي وَلَوْ اتَّحَدَ مَحَلُّهُمَا، وَلَا لِقَهْقَهَةٍ وَكَلَامٍ وَاحْتِلَامٍ وَلَا لَسَيْلَانِ دُمَّلٍ غَمَزَهَا، فَإِنْ زَالَ السَّاقِطُ مِنْ غَيْرِ مُسْقِطٍ فَقِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ سَبَقَهُ لِعُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ، وَلَوْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ مِنْهَا بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَحَرُّكِهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ، وَهُوَ قول الْمَشَايِخِ إذَا أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ كَأَنْ تَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهَا بِلَا كَشْفٍ، وَكَذَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا. وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ ثُمَّ نَقَلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يُسْتَنْجَى مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ.
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ: إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا لَمْ تَفْسُدْ، وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ، وَجَعْلُ الْفَسَادِ مُطْلَقًا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي الْأَصَحِّ، وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ جَاوَزَ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ أَوْ كَانَ بِئْرًا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ أَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَجَاوَزَهُ نَاسِيًا لِاعْتِيَادِهِ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَوْضِ لَا تَفْسُدُ، وَأَمَّا بِلَا عُذْرٍ فَتَفْسُدُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا سَبَقَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ خَافَهُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَا يَبْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَلْ يَسْتَخْلِفُ لِلِانْصِرَافِ خَوْفًا عِنْدَهُ؟ يَجُوزُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَصْرِ، وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَلَا قول لِمُحَمَّدٍ (قولهُ اسْتَخْلَفَ) بِأَنْ يَأْخُذَ بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ يُشِيرَ إلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَفْعَلَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ آخِذًا بِأَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ وَخَرَجَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ.
وَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّفُوفِ مُتَّصِلَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَوْ مُنْفَصِلَةً خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْمُتَّصِلَةِ، لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْحِرَافِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَقْتَصِرُ الْجَوَازُ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَلِيفَةِ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَمُحْدَثٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ غَيْرُ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ فَسَتَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا وَنَوَى كُلٌّ الْإِمَامَةَ فَالْإِمَامُ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَقُّ الِاسْتِخْلَافِ لَهُ.
وَفِي الْفَتَاوَى: إنْ نَوَيَا مَعًا الْإِمَامَةَ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِخَلِيفَةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ عَلَى الْمُقْتَدِينَ بِخَلِيفَةِ الْقَوْمِ. وَلَا اخْتِلَافَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعِيَّةِ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْقَوْمِ اقْتَدُوا بِهِ ثُمَّ نَوَى الْآخَرُ فَاقْتَدَى بِهِ الْبَعْضُ جَازَ صَلَاةُ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْآخَرِينَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صَفِّهِ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ. وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَفِيهَا: لَوْ تَأَخَّرَ لِيَسْتَخْلِفَ فَلَبِثَ يَنْظُرُ مَنْ يَصْلُحُ فَقَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ كَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ لِلْخِلَافَةِ وَتَقَدَّمَ فَصَلَاةُ مَنْ كَانَ أَمَامَهُ فَاسِدَةٌ وَمَنْ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلًا مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ فَخَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ قُدَّامَهُ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدٍ وَقَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ جَازَ، وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى الْمِحْرَابِ وَيَقُومَ مَقَامَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْقَوْمِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ الْخَلِيفَةُ غَيْرَهُ قَالَ الْفَضْلِيُّ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ حَتَّى اسْتَخْلَفَ جَازَ، وَيَصِيرُ كَأَنَّ الثَّانِيَ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ قَدَّمَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ أَفْسَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَضُرُّهُ لَا غَيْرَهُ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِالْخَلِيفَةِ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ قَائِمٌ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَالْخَلِيفَةُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي. هَذَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْأَوَّلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ. قَالُوا لَوْ أَحْدَثَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى جَاءَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ ثُمَّ خَرَجَ كَانَ الثَّانِي خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالثَّانِي. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَحْدَثَ الثَّانِي فَجَاءَ الْأَوَّلُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي تَقْدِيمُهُ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ تَقْدِيمُهُ.
قولهُ: (وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَاءَ) الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ النَّوَاقِضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، وَمِنْ التَّابِعِينَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَطَاوُسٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، عَلَى أَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ مُرْسَلًا لَا نِزَاعَ فِيهَا وَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ.
قولهُ: (وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ» إلَخْ) غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ» وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِخْلَافِ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ؟ قِيلَ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ رَجَعَ يَخْرِقُ الصُّفُوفَ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا إذَا نَحْنُ بِعُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: لَمَّا دَخَلْت فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرْت رَابَنِي شَيْءٌ فَلَمَسْت بِيَدِي فَوَجَدْت بِلَّةً. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: إنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَدَاةَ أُصِيبَ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْته يَقول: قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَعَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ وَانْصَرَفَ.
قولهُ: (وَالْبَلْوَى) جَوَابٌ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَعْقول أَنَّ تَجْوِيزَ الْبِنَاءِ لَهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بَلْوًى وَهُوَ مَا يُسْبَقُ. أَمَّا الْعَمْدُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ فَضْلًا عَنْ التَّخْفِيفِ.
قولهُ: (تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) بِنَاءً عَلَى صَرْفِ قولهِ فِي الْحَدِيثِ وَلْيَبْنِ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلرِّفْقِ لَا أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ عَلَيْهِ.
قولهُ: (وَالْمُقْتَدِي يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ) عَلَّلَهُ بِصِيَانَةِ الْفَضِيلَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَوْلَى وَذَكَرَ مُقَابِلَهُ فِي مُقَابِلِهِ: أَعْنِي الِاسْتِقْبَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ خَبَرًا إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
قولهُ: (وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ) وَقِيلَ إنْ عَادَ تَفْسُدُ لِزِيَادَةِ مَشْيٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ.
قولهُ: (وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ) أَيْ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَيْ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِهِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْبِنَاءُ وَالطَّرِيقُ وَالنَّهْرُ فَالْأَوَّلُ مِنْهُ حَائِطٌ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ لَيْسَ فِيهِ نَقْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَاخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ الصِّحَّةُ، وَعَلَى هَذَا الِاقْتِدَاءُ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمِئْذَنَةِ. وَلَهُمَا بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِه يَجُوزُ فِي قولهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ فَعَلَى الْخِلَافِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارَ الصِّحَّةَ وَقَالَ: لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ أَوْ عَلَى جِدَارٍ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ صَحَّ، وَعَلَى دُكَّانٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ يَصِحُّ بِشَرْطِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ. وَالثَّانِي الطَّرِيقُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ أَوْ كَانَ أَضْيَقَ مِنْ قَدْرِ الْعَجَلَةِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ وَاحِدٌ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ خَلْفَ هَذَا الْوَاحِدِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالثَّلَاثَةُ يَجُوزُ خَلْفَهُمْ اتِّفَاقًا، وَإِذَا قَامُوا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ صُفُوفًا وَصَفٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قُدَّامَهُ قَدْرُ الْعَجَلَةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلْفَهُ، وَكَذَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ صَفٍّ لِقِيَامِهِمْ عَلَى نَجَاسَةٍ تَفْسُدُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ أَجْمَعَ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ فَسَدَتْ عَلَى الْكُلِّ أَيْضًا، وَالْمَانِعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِي الْفَلَاةِ خَلَاءٌ يَسَعُ صَفَّيْنِ وَلَا يَمْنَعُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَإِنْ وَسِعَ أَكْثَرَ. وَاخْتُلِفَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَجَعَلَهُ فِي النَّوَازِلِ كَالْمَسْجِدِ، وَلَوْ كَانَتْ فُرْجَةٌ وَسَطَ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ قَدْرَ حَوْضٍ كَبِيرٍ وَهُوَ مَا لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَبُّرِ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ حَوْلَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهِ زَوْرَقٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ جَازَ الِاقْتِدَاءُ مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ وَاحِدٌ فَلَا، أَوْ اثْنَانِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ فِي الْمُخْتَارِ.
قولهُ: (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) فِي النِّهَايَةِ هِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ حَائِطِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَهُوَ يَمْشِي مُتَوَجِّهًا لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ.
قولهُ: (مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ظَنَّ مَاسِحٌ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُتَيَمِّمٌ سَرَابًا مَاءً أَوْ ظَنَّ حُمْرَةً دَمًا أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ تَكُنْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قولهُ: (فَالْحَقُّ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) وَجْهُ صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ جَوَازُ الرَّمْيِ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ غَلَبَ ظَنُّ إصَابَةِ الْمُسْلِمِينَ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَ رَمْيِهِمْ أُلْحِقَ بِحَقِيقَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، لَكِنْ أُظْهِرَ التَّفَاوُتُ بِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ وَاتِّحَادِ الْمَكَانِ كَالْمَسْجِدِ إذْ لَهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلِذَا لَوْ كَرَّرَ سَجْدَةً فِي زَوَايَاهُ لَزِمَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ كَالْمَسْجِدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ، فَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ مُصَلَّاهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلِذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِقْدَارَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ.اهـ. وَالْأَوْجُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يَعْتَبِرَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ.
قولهُ: (وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ) وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ، وَقِيلَ الْفَسَادُ بِالِاسْتِخْلَافِ قولهُمَا لَا قولهُ.
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ أَبِي جَعْفَرٍ: إذَا أَتَى الْخَلِيفَةُ بِالرُّكُوعِ فَسَدَتْ وَقَبْلَهُ لَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ.
قولهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَحَايَلَهُ لَا يَبْنِي فَلَا يَبْنِي.
وَفِي النِّهَايَةِ: وَمَا يُجَانِسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ: صَلَّى الْعِشَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا تَرْوِيحَةً أَوْ فِي الظُّهْرِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً وَأَنَّهُ مُسَافِرٌ يَسْتَقْبِلُ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْفَرَاغِ يَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَامِدٌ فِي السَّلَامِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَامُ الْعَمْدِ قَاطِعٌ، وَفِي الْأَخِيرَةِ ظَنَّ الْفَرَاغَ فَلَمْ يَتَعَمَّدْ السَّلَامَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ رَفْضٍ أَوْ إصْلَاحٍ أَصْلًا، بَلْ ظَنَّ تَمَامَ مَا تَوَهَّمَهُ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَصْدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْكَيْفِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْفِعْلِ.
قولهُ: (فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ) أَيْ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ بِظَنٍّ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافًا جَازَ الْبِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ (قوله اسْتَقْبَلَ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فِي مَكَانِهِ فَيَصِيرَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ أَوْ يَضْطَرِبَ عِنْدَهَا وَذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُ وَبِهِ تَتِمُّ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُفْسِدَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

متن الهداية:
(وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُمْ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هَاهُنَا أَلْزَمُ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْجَنَابَةِ. وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، لَكِنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ حُصِرَ) بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ.
قولهُ: (وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ) بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ لِأَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَدَثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ الْحَصْرُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ دُونَهُ لِنُدْرَةِ نِسْيَانِ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَلِتَوَقُّفِ كُلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا.
قولهُ: (وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هُنَا أَلْزَمُ) لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَوْ وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ، وَهَذَا لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. لَا يُقَالُ: هَذَا قِيَاسٌ حَيْثُ عَيَّنَ الْعِلَّةَ وَأَلْحَقَ. لِأَنَّا نَقول: تَعْيِينُ الْمَنَاطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا عَلَى مَا قُرِّرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ، أَلَا تَرَى إلَى تَسْمِيَةِ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ قِيَاسًا جَلَّيَا، وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مِنْ الشَّرْعِ تَجْوِيزَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِسَبْقِ حَدَثِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ شُرُوطَ الصَّلَاةِ بَادَرَ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لِصَوْنِ صَلَاةِ الْقَوْمِ عَنْ الْفَسَادِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِهِمْ عَجْزًا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ هُوَ فِي الْمُتَنَازِعِ فِيهِ فَيُلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً.
قولهُ: (لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ إمْكَانِ آيَةٍ فَسَدَتْ.
وَفِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزْ، وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَا بِمَا يُشْبِهُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ.

متن الهداية:
(فَإِنَّ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا، أَوْ مُومِيًا فَقَدَر عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عُذْرٍ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا، فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ. لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ. وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا. وَمَعْنَى قولهِ تَمَّتْ قَارَبَتْ التَّمَامَ، وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ حَتَّى يَجُوزَ فِي حَقِّ الْقَارِئِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّةِ الْإِمَامَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلْفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْدَثَ الْمُتَيَمِّمُ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي دُونَ فَسَادٍ لِأَنَّ انْتِقَاضَ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَرُؤْيَةُ الْمَاءِ هُنَا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ حَالَ قِيَامٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ انْتِقَاضُهُ مُسْتَنِدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لَوْ قَالَ: فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ أَوْ الْمُقْتَدِي بِهِ إلَخْ لَكَانَ أَشْمَلَ، فَإِنَّ الْمُتَوَضِّئَ الْمُقْتَدِيَ بِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ لِاعْتِقَادِهِ قُدْرَةَ إمَامِهِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَفِيهِ فِي شَرْحِ قولهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَا تَبْطُلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ: وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا تَبْطُلُ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثِ سَبْقِهِ لِلْحَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ يَظْهَرُ عِنْدَهُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ بِلَا طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ انْتَهَى. وَهَذَا الصَّرِيحُ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافُ ثُمَّ الْقَيْءُ إنَّ أَوْجَبَتْ أَحْدَاثًا مُتَعَدِّدَةً يُجْزِئُهُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ، فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قول مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَال ثُمَّ رَعَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا تُوجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا النَّظَرَ فِيهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي اعْتِقَادِي، لَكِنْ كَلَامُ النِّهَايَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَلَا تَتَفَرَّعُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ.
قولهُ: (بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا، فَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ تَمَّتْ لِلْمُنَافِي.
قوله: (أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ.
قولهُ: (أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ) يَعْنِي طُلُوعُهَا مُفْسِدٌ، فَإِذَا طَلَعَتْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَلْنَسْتَطْرِدْ ذِكْرَ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ. وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الْمُتَقَدِّمِ الْفَسَادَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ. وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ النَّهْيُ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دَفْعًا لِإِهْمَالِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ. وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَذَّرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ الْأَفْعَالِ فِي أَيِّ رُكْنٍ وَقَعَ الطُّلُوعُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طُلُوعُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا يُفِيدُ الْإِمْسَاكُ مَنْعَهُ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُعْرَفُ بِالِاثْنَيْ عَشَرَةَ وَزِيدَ عَلَيْهَا مَا إذَا وُجِدَ مَاءٌ يُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: أَعْنِي بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَمَا إذَا دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَلَمْ تَسْتَتِرْ مِنْ وَقْتِهَا وَكَوْنُ الِانْقِطَاعِ الْمُفْسِدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا دَامَ وَقْتًا كَامِلًا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوَقَعَ الِانْقِطَاعُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
قولهُ: (وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قِيلَ قَائِلُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ.
قولهُ: (مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك.
قولهُ: (وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ لَا بِلَا اخْتِيَارٍ. وَقَدْ يُقَالُ: اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِيَارِ لِيَنْتَفِيَ الْجَبْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقَاصِدِ لَا الْوَسَائِلِ، وَإِذًا لَوْ حُمِلَ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَفَاقَ فَتَوَضَّأَ فِيهِ أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِيُتَوَصَّلَ، فَكَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْقَاطِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا اخْتِيَارٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى صَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ هُوَ قُرْبَةُ قَاطِعٍ. فَلَوْ فَعَلَ مُخْتَارًا مُحَرَّمًا أَثِمَ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ لِعَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْحَدَثِ، إذْ بِالرُّؤْيَةِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْقِطَاعِ الْعُذْرِ يَظْهَرُ السَّابِقُ فَيَسْتَنِدُ النَّقْصُ فَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ لِقِيَامِ حُرْمَتِهَا حَالَةَ الظُّهُورِ، بِخِلَافِ الْمُنْقَضِيَةِ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَيْضًا.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. بَلْ هُوَ حُمِلَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا رَأَى خِلَافَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ عِنْدَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ فِي أَثْنَائِهَا كَيْفَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَهُوَ السَّلَامُ وَهُوَ آخِرُهَا دَاخِلًا فِيهَا، وَاعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي ذَلِكَ كَهُوَ قَبْلَهُ، وَلِذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِيهِ.
قولهُ: (وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَدَثِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَفْسِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ فَلِذَا أَفْسَدَ فِي مَسْأَلَةِ تَوَهُّمِ الْحَدَثِ دُونَ الِانْصِرَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فُعِلَ الْمُفْسِدُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اسْتِخْلَافِ إمَامٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَتَتِمَّ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

متن الهداية:
(وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ أَجْزَأَهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (فَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ) لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَا: لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ فِي قولهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ وَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ. وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدَ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامَ فِي مَعْنَاهُ، وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ) أَفَادَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا لَاحِقًا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِتْمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ كَذَا هَذَانِ، وَكَمَا يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ لَوْ تَقَدَّمَ كَذَا الْآخَرَانِ، أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ الْخَلِيفَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ. وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ. قُلْنَا لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةَ عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ. إذْ الْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى، وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَهَذَا إذَا عَلِمَ نِيَّةَ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ، وَيُقَدِّمُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ يَقْضِي الْمُقِيمُونَ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدِينَ، وَلَوْ اقْتَدَوْا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ دُونَ الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ إنَّمَا تُوجِبُ الْمُتَابَعَةَ إلَى هُنَا. وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ بِأَنْ بَدَأَ بِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ لِلسَّلَامِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ مَعَهُ، أَمَّا إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بِأَنْ قَدَّمَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَيُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُتَابِعُونَهُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ.
قولهُ: (يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ) بَانِيًا عَلَى ذَلِكَ، فَلِذَا قَالُوا لَوْ اسْتَخْلَفَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ مُقِيمًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ هَذَا فَرْعُ عِلْمِ الْمَسْبُوقِ بِكَمِّيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ يُتِمُّ رَكْعَةً وَيَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُتِمُّ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ الْقَوْمُ بَلْ يَصِيرُونَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ فَيُصَلُّونَ مَا عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا وَيَقْعُدُ هَذَا الْخَلِيفَةُ عَلَى كُلِّ رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا.
قولهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا تَامَّةٌ، قَالُوا: وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِتَقْسِيمٍ يَسْتَدْعِي الْمُخَالَفَةَ فِي الْجَوَابِ. ثُمَّ أَجَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْبِنَاءِ وَضَحِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْسِدُ وَكَذَا ضَحِكُ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُومًا بِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ.
قولهُ: (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ إلَخْ) لَفْظُ الْأَوَّلِ هُنَا تَسَاهُلٌ، إذْ لَيْسَ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَامٌ ثَانٍ، إذْ لَيْسَ فِيهَا اسْتِخْلَافٌ، بَلْ حَاصِلُهَا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا مَسْبُوقِينَ وَمُدْرِكِينَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى مَحَلِّ السَّلَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَ الْكُلِّ، ثُمَّ فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُونُوا قَضَوْا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ فَقَضَى رَكْعَةً فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ انْفِرَادَهُ حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ، إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ.
قولهُ: (لِأَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مُتَمِّمٌ لِلصَّلَاةِ، وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى كَافِ الْخِطَابِ فَهُوَ مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَاتِهِ وَفِي حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْإِفْسَادُ إذْ لَمْ يُفَوِّتْ شَرْطَ الصَّلَاةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بَلْ هُوَ قَاطِعٌ فَكَأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِهِ فَلَمْ يَفْسُدْ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ، بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ لِتَفْوِيتِهَا الطَّهَارَةَ فَتُفْسِدُ جُزْءَا تُلَاقِيهِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ، وَلِهَذَا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُسَلِّمُوا، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ قَهْقَهَ ذَهَبُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا.

.فَصْلٌ: فِي الْمَسْبُوقِ:

وَهَذَا فَصْلٌ فِي الْمَسْبُوقِ كُنَّا وَعَدْنَاهُ.
وَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ هُوَ كَالْمُنْفَرِدِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ بَانَ تَحْرِيمُهُ، أَمَّا لَوْ نَسِيَ أَحَدُ الْمَسْبُوقَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمِّيَّةَ مَا عَلَيْهِ فَقَضَى مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ بِهِ صَحَّ. ثَانِيهَا لَوْ كَبَّرْنَا وَبِالِاسْتِئْنَافِ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا قَاطِعًا لِلْأَوْلَى بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا يَأْتِي. ثَالِثُهَا لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ يَمْضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ. رَابِعُهَا: يَأْتِي بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَهْوٍ عَلَى الْإِمَامِ فَيَصِيرُ حَتَّى يَفْهَمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، إذْ لَوْ كَانَ لَسَجَدَ. قُلْت: هَذَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهُ قَبْلَهُ فَلَا، وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ: إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ، أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورُ خُرُوجَ الْوَقْتِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ تَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لَهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ. لَوْ قَامَ قَبْلَهُ. قَالَ فِي النَّوَازِلِ: إنْ قَرَأَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِثَلَاثٍ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَامَ حَيْثُ يَصِحُّ وَفَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ فِي السَّلَامِ قِيلَ تَفْسُدُ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا تَفْسُدَ وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدًا لِأَنَّ هَذَا مُفْسِدٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهُوَ كَتَعَمُّدِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ سَهْوِهِ بَعْدَ انْفِرَادِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ، وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَهْوًا فَسَجَدَ وَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ. وَأَشْبَهَهُمَا فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرِ لَا، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْأَوَّلُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَتَيْنِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ مُفْسِدٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ قَالُوا: لَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا قُيِّدَ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ لِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: لَا تَفْسُدُ بِزِيَادَةِ سَجْدَتَيْنِ، بَلْ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ الِاقْتِدَاءُ فِي مَوْضِعٍ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّاحِقَ إذَا سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ مَعَ الْإِمَامِ تَكُونُ زِيَادَةُ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِمَا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ. وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَعَادَ إلَى قَضَائِهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ ذَلِكَ وَيُتَابِعُ فِيهَا وَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ دُونَ رَكْعَةٍ فَيُرْتَفَضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، وَإِذَا ارْتُفِضَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْفِرَادُ لِأَنَّ هَذَا أَوَانُ افْتِرَاضِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ تَابَعَهُ بَعْدَ تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ فِيهَا فَسَدَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ. فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ تَفْسُدُ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ رَفَضَ الْقَعْدَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ انْفَرَدَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ. وَجْهُ نَوَادِرِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَمَّ انْفِرَادَهُ وَخَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ ارْتُفِضَتْ كُلُّهَا فِي حَقِّهِ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ انْفِرَادِهِ بِأَنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ الْإِمَامُ بَعْدَ إتْمَامِهَا، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَوْمٍ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ اُرْتُفِضَ ظُهْرُهُ فِي حَقِّهِ لَا حَقِّهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُقِيمًا لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَقَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ لِلْإِتْمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ حَتَّى تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ عَادَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ، وَإِنْ سَجَدَ فَإِنْ عَادَ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَمَضَى عَلَيْهَا وَأَتَمَّ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَعَادَ إلَيْهَا يُتَابِعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ، وَعَلَيْهِ رُكْنَانِ: السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ، وَلَوْ انْفَرَدَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ فَسَدَتْ فَهُنَا أَوْلَى، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ تَفْسُدُ، وَالتَّخْرِيجُ غَيْرُ خَافٍ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْك، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَنِي فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ إذَا اقْتَدَيَا بِمِثْلِهِمَا، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي التَّشَهُّدِ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً بِتَشَهُّدٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ. وَلَوْ تَرَكَ جَازَتْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَيَتَشَهَّدَ، لِأَنَّهُ يَقْضِي الْآخِرَ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَقْضِي رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا كَذَلِكَ وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَتَخَيَّرُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَتَشَهَّدُ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ لِأَنَّ مَا يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَقَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَأَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْأُخْرَيَيْنِ فَالْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَدْرَكَ الثَّانِيَ خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا. وَلَوْ أَدْرَكَ فِي التَّشَهُّدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَتَرَسَّلُ لِيَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثَنِّي حَتَّى يَقُومَ إلَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ سَهَا فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَقَدْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ تُجْزِئُهُ سَجْدَتَانِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ السَّهْوُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ وَهُوَ الَّذِي اقْتَدَى بَعْدَمَا صَلَّى الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً مَثَلًا ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِنَوْمٍ أَوْ زَحْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْقَضَاءِ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ فَرْضٌ، وَعِنْدَنَا وَاجِبٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَوْ عَكَسَ هَذَا التَّرْتِيبَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ وَتَصِحُّ عِنْدَنَا. ثُمَّ إمَّا أَنْ يَسْتَيْقِظَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَالْفَرَاغُ يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا حَالَ نَوْمِهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِلْخَتْمِ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَبْلَ رُكُوعٍ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يُصَلِّي فِيمَا أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامٍ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ، فَلَوْ نَقَضَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَتَابَعَ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ قَضَى مَا سَبَقَهُ بِهِ ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ جَازَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ.اهـ. ثُمَّ يَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَةٍ. أَمَّا فِيمَا أَدْرَكَ فَلِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَفِي ثَالِثَتِهِ لِلْمُتَابَعَةِ فَإِنَّهَا قَعْدَةُ خَتْمِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا خَتْمُهُ. وَلَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ بِسَهْوِ الْإِمَامِ بَلْ يَقُومُ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ يَسْجُدُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْخَتْمِ. وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَهُوَ اللَّاحِقُ لَا غَيْرُ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُقْتَدِي فَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِيهِ فِي الْقِبْلَةِ إلَى غَيْرِ مُجْتَهِدِ الْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَنْقَلِبُ أَرْبَعًا، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ تَعْرِيفَ اللَّاحِقِ بِمَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَسَاهُلٌ، بَلْ هُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ.

متن الهداية:
(وَمَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَلَا يَعْتَدُّ بِاَلَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا)، لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ) هَذَا خَرَجَ عَلَى قول مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ فَلَا عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَكِنْ عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ لَوْ لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ الرُّكْنَ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ، أَمَّا عَلَى قول مُحَمَّدٍ فَلِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ فَلِافْتِرَاضِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ عِنْدَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقَانِ مَعَ الطَّهَارَةِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ، وَحَاوَلَ تَخْرِيجَهُ فِي الْكَافِي عَلَى الرَّأْيَيْنِ بِأَنَّ التَّمَامَ عَلَى نَوْعَيْنِ تَمَامِ مَاهِيَّةٍ وَتَمَامُ مَخْرَجٍ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالسَّجْدَةُ وَإِنْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ مَاهِيَّةً لَكِنْ لَمْ تَتِمَّ تَمَامًا مُخْرِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ.اهـ. يَعْنِي وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ فِي الْهِدَايَةِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَهَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى لِتَقَعَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ وُجِدَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً) أَيْ صُلْبِيَّةً أَوْ لِلتِّلَاوَةِ.
قولهُ: (وَهَذَا بَيَانُ الْأُولَى) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّ رَكْعَةٍ، بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا تَفْصِيلَهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. بَقِيَ أَنَّ انْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ، فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ، لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ: أَعْنِي تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ، بَلْ تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ. ثُمَّ وَجْهُ قول زُفَرَ فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلٌ وَلَمْ يَقَعْ الْبَيَانُ إلَّا كَذَلِكَ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ مُصَلٍّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَمْ يُعْتَبَرْ فَرْضًا لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الْمَسْبُوقِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ قَدْ يَقُومُ الْعُذْرُ فِي إسْقَاطِهِ شَرْعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَكَسَ الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّهِ آنِفًا كَانَ آثِمًا عِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ عَلَى قولهِ إذَا قَضَى السَّجْدَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ جَمِيعِ مَا أَدَّى بَعْدَهَا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ مَا يُفْتَرَضُ تَقْدِيمُهُ. وَعِنْدَنَا قَضَاءُ الرُّكْنِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الذِّكْرُ اسْتِحْبَابًا لَا غَيْرُ إنْ قَضَاهَا عَقِيبَهُ. وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا هُنَاكَ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي آخِرِ فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، قَالَ فِي إمَامٍ صَلَّى رَكْعَةً وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً وَصَلَّى أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا فَتَذَكَّرَ الْمَتْرُوكَةَ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَيَسْجُدُ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا كَانَ فِيهَا لِأَنَّهَا ارْتُفِضَتْ فَيُعِيدُهَا اسْتِحْسَانًا.اهـ. قَالَ: فَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى الْمَتْرُوكَةِ هَلْ يُرْتَفَضُ؟ إنَّ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمَتْرُوكَةِ وَبَيْنَ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهَا رَكْعَةً تَامَّةً لَا تُرْتَفَضُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُرْتَفَضُ وَقَالَ قَبْلَهُ فِيهِ: وَإِنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةً سَجَدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِرُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعُ قَبْلَ رَفْعِ الرَّأْسِ يُقْبَلُ الِارْتِفَاضُ، فَبِسُجُودِهِ الْمَتْرُوكَةَ رَفَضَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ.اهـ. وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ لَا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْقَعْدَةُ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مُطْلَقًا شَرْطٌ لَا بَيْنَ الْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْمُتَعَدِّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْمُتَعَدِّدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقَعْدَةِ، فَلَوْ جَازَ تَأَخُّرُ شَيْءٍ عَنْهَا لَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُتَعَلِّقَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ سُجُودِ الرَّكْعَةِ عَلَى رُكُوعِهَا وَالرُّكُوعِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ وَالْقِيَامُ إلَى الرُّكُوعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا بِتَقَدُّمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهَا زِينَتُهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا، وَبِتَذَكُّرِ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا مِنْ الْأُولَى لَمْ يَتَحَقَّقْ تَقْدِيمٌ لَهُ عَلَى رُكُوعِ الْأُولَى بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ التَّعْدِيَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُعِدْ عَلَى مَا هُوَ الْأَمْرُ الْجَائِزُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ قَبْلَهُ لِالْتِحَاقِهِ بِمَحَلِّهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَوُجُوبُ كَوْنِهِ قَبْلَهُ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ بِدَلِيلِ حَالِ الْمَسْبُوقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعُذْرِ، بِخِلَافِ السَّجْدَةِ فِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِي الْخَتْمِ كَوْنَهُ فِي الْقَعْدَةِ مَعْنًى وَصُورَةً فَلَا يَكْفِي اعْتِبَارُهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْ السَّجْدَةِ الْمُتَذَكَّرَةِ فِيهَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْمَأْمُومُ إمَامٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هَاهُنَا، وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ قَصْدًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ) لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرَادَةٌ بِهَذَا، أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى خَرَجَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَالشَّيْخُ أَبْهَمَ الصَّلَاةَ فَيُرَادُ صَلَاةُ مَنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ الْمَأْمُومَ أَوْ الْإِمَامَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْكِلُ فَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَلْ غَايَتُهُ الْوُجُوبُ تَحْصِينًا لِصَلَاةِ غَيْرِهِ عَنْ الْفَسَادِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَغَايَةُ مَا فِي خُرُوجِهِ بِلَا اسْتِخْلَافٍ تَأْثِيمُهُ لِسَعْيِهِ فِي فَسَادِ صَلَاةِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَإِمَامٍ تَعَمَّدَ التَّأَخُّرَ عَمَّنْ خَلْفَهُ حَتَّى فَسَدَتْ بِتَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ.
قولهُ: (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) أَوْ أُمِّيٌّ: أَيْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ.
قولهُ: (لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ مِنْهُ قَصْدٌ) وَمَا حُكِمَ بِكَوْنِ الْأَوَّلِ خَلِيفَةً إلَّا لِتَصْحِيحِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَهُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الِاعْتِبَارَ لِإِصْلَاحِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي كَانَ فِيهِ إفْسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَهُ فَتَفْسُدُ عَلَى الْإِمَامِ وَتَصِحُّ عَلَى الْمُقْتَدِي وَبَيْنَ عَدَمِهِ فَيَنْعَكِسُ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ، وَوَجْهُ تَرْجِيحِ عَدَمِهِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ.


.(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا):

(وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَفْزَعُهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ. وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ. بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ فَيُعْتَبَرُ ذِكْرًا فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ وَكَلَامًا فِي حَالَةِ التَّعَمُّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا).
قولهُ: (وَمَفْزَعُهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ) «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» إلَخْ. الْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَل: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ النِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا.
قولهُ: (وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ صَلَاتَنَا إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قال: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ».اهـ. وَقَدْ أَجَابُوا بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْبُطْلَانِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَالْحَظْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُطْلَانَ، وَلِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ. قُلْنَا إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا بَيَّنَ الْحَظْرَ حَالَةَ الْعَمْدِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَظْرٌ يَرْتَفِعُ إلَى الْإِفْسَادِ، وَمَا كَانَ مُفْسِدًا حَالَةَ الْعَمْدِ كَانَ كَذَلِكَ حَالَةَ السَّهْوِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ شَرْعًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَقوله: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي» أَوْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُمْ» مِنْ بَاب الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ، لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْمِيمُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ اعْتَبَرَهُ فِي الْحُكْمِ الْأَعَمِّ مِنْ حُكْمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ عَمَّمَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، إذْ قَدْ أَثْبَتَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَطَالَ الْكَلَامَ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَقول بِالْفَسَادِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ إذَا رَفَعَ إفْسَادَهُ وَجَبَ شُمُولُ الصِّحَّةِ. وَإِلَّا فَشُمُولُ عَدَمِهَا وَكَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ الْقَلِيلُ مِنْ الْعَمَلِ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ مِنْ الطَّبْعِ وَلَيْسَتْ الصَّلَاةُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ إفْسَادُهُ مُطْلَقًا لَزِمَ الْحَرَجُ فِي إقَامَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَعُفِيَ مَا لَمْ يَكْثُرْ وَلَيْسَ الْكَلَامُ مِنْ طَبْعِ الْحَيِّ.
قولهُ: (بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسٍ مُقَدَّرٍ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى السَّلَامِ سَاهِيًا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

متن الهداية:
(فَإِنْ أَنَّ فِيهَا أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَقْطَعْهَا) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَهَا) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قولهُ آهٍ لَا يُفْسِدُ فِي الْحَالَيْنِ وَأُوهِ يُفْسِدُ. وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تَفْسُدُ. وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ جَمَعُوهَا فِي قولهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ وَهَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ.
الشَّرْحُ:
قوله: (فَإِنْ أَنَّ فِيهَا) أَيْ قَالَ آهْ أَوْ تَأَوَّهَ: أَيْ قَالَ أُوهِ وَنَحْوِهِ.
قولهُ: (فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ) أَيْ حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ.
قولهُ: (فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَهُ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ بِلَفْظٍ هُوَ الْمَصِيرُ لَهُ كَلَامًا فَلَا يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِهِ إلَى قولهِمْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَدْرِكُونِي أَوْ أَعِينُونِي، بِخِلَافِ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ لِأَنَّهُ كَقول أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَأَعِذْنِي مِنْ النَّارِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ إذْ يُعْطِي ظَاهِرُهُ أَنَّ كَوْنَهُ دَالًا عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ صَيَّرَهُ كَلَامًا، لَكِنْ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ إظْهَارًا لِذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَلَامًا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَرَشَّحَهُ فِي الْكَلَامِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مُفْسِدًا كَوْنُهُ حَرْفَيْنِ زَائِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِقولهِ وَهَذَا لَا يَقْوَى، لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ الْحُرُوفِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ إظْهَارَ الْوَجَعِ بِاللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنًى بِهِ فَيَكُونُ نَفْسُهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعٌ، وَاشْتِرَاطُ الْوَضْعِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ فِي الْكَلَامِ. وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُهُ لُغَةً لَمْ يَلْزَمْ اشْتِرَاطُهُ فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْمَعْقول فِي الْإِفْسَادِ كَوْنُهُ إفَادَةَ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، إذْ لَيْسَ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ. وَقولهُ فِي الْحَالَيْنِ: أَيْ الْخُشُوعِ وَالْجَزَعِ، وَقولهُ لَا تَفْسُدُ: أَيْ فِي الْحَالَيْنِ أَيْضًا عِنْدَهُ، وَكَذَا أُفٍّ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا لَا تَفْسُدُ، وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَالَ: أُفٍّ أَلَمْ تَعِدنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ» قُلْنَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَجُوزُ كَوْنُهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا. وَقولهُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
قولهُ: (فِي قولهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ) سَمْطٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ أَيْنَ هُوَ مِنْ أَمَانٍ وَتَسْهِيلٍ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الْبَيْتِ:
هَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ تَلَا يَوْمَ أُنْسِهِ ** نِهَايَةُ مَسْئُولٍ أَمَانٌ وَتَسْهِيلُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَنِينُ وَالْبُكَاءُ وَالتَّأَوُّهُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ لِمَنْ يَصْغَى.
قولهُ: (وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قُلْت هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْحَرْفَيْنِ لِأَنَّ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا يَكُونُ قولهُ كَقولهِمَا.اهـ. وَأَثَرُ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْعِبَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ صَرَّحَ فَقَالَ: وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حَرْفَيْنِ زَائِدَيْنِ، أَوْ أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ بِشَاهِدَيْنِ طَاحَ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ هَذَا أَوْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَنِينُ يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجَعِ عَنْهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ أَلَمُهُ خَفِيفًا يَقْطَعُ وَإِلَّا لَا.

متن الهداية:
(وَإِنْ تَنَحْنَحَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ (وَحَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ) وَالْجُشَاءِ إذَا حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (يَنْبَغِي إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْجَوَابِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا لَهُ بَلْ فَعَلَهُ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ، فَعِنْدَ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ تَفْسُدُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَا لِلْقِرَاءَةِ مُلْحَقٌ بِهَا وَكَذَا لَوْ تَنَحْنَحَ بِالْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ نَفَخَ مَسْمُوعًا فَسَدَتْ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْمَسْمُوعِ فَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مَا يَكُونُ لَهُ حُرُوفٌ كَأُفٍّ تُفٍّ تَفْسُدُ، وَإِلَّا فَلَا تَفْسُدُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ الْحُرُوفَ إلَّا فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَفَّرَ طَائِرًا أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ.
قولهُ: (وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ) أَوْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ: أَيْ مَبْعُوثُ الطَّبْعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَا تَفْسُدُ، وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْهُ لَا تَفْسُدُ كَالْجُشَاءِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قول أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَنِينِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.

متن الهداية:
(وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَقَالَ لَهُ آخَرُ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ لَا تَفْسُدُ كَقولهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قولهِ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهُمَا يَتَمَسَّكَانِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ كَانَ تَشْمِيتَ عَاطِسٍ. وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
قولهُ: (عَلَى مَا قَالُوا) إشَارَةٌ إلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ فَإِنَّ حَرَّكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.
قولهُ: (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) يَعْنِي إذَا قَصَدَ التَّعْلِيمَ، أَمَّا إذَا أَرَادَ التِّلَاوَةَ فَلَا. وَكَذَا لَوْ قِيلَ مَا مَالُك؟ فَقَالَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ أَوْ كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ يَحْيَى فَقَالَ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ، إنْ أَرَادَ إفَادَتَهُ الْمَعْنَى فَسَدَتْ لَا إنْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ.

متن الهداية:
(وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتْحَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ تَفْسُدُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شَرَطَ التَّكْرَارَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ، وَلَمْ يُشْرَطْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِنَفْسِهِ قَاطِعٌ وَإِنْ قَلَّ (وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُفْسِدًا) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى (وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ، وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا (وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لَوْ أَخَذَ بِقولهِ لِوُجُودِ التَّلْقِينِ وَالتَّلَقُّنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعَ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ أَوْ يَنْتَقِلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى.
الشَّرْحُ:
قوله: (شَرَطَ التَّكْرَارَ) بِأَنْ فَتَحَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى قَلِيلُهُ وَلَمْ يَشْرُطْهُ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فَلَا يُعْفَى قَلِيلُهُ.
قولهُ: (لَمْ يَكُنْ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا) هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْفَتْحِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ عُدُولٌ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَنْ الْمُرَخَّصِ فِيهِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ كَلِمَةً فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ أُبَيٌّ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: هَلَّا فَتَحْتَ عَلِيَّ؟ فَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا نُسِخَتْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ نُسِخَتْ لَأَعْلَمْتُكُمْ». وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ.
قولهُ: (وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ) هَذَا قول بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ انْتَقَلَ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْمُرَخِّصِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ.
قولهُ: (إذَا جَاءَ أَوَانُهُ) أَجْمَلَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبَ الْمُحِيطِ وَبَكْرًا اعْتَبَرُوا أَوَانَ الرُّكُوعِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أَوْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ الْمُسْتَحَبَّ صَوْنًا لِلصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، أَلَا يَرَى إلَى مَا ذَكَرُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيٍّ «هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ» مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ أَجَابَ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهَذَا كَلَامٌ مُفْسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَكُونُ مُفْسِدًا) وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ جَوَابَهُ. لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَيُجْعَلُ جَوَابًا كَالتَّشْمِيتِ وَالِاسْتِرْجَاعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ (وَإِنْ أَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ بِالْإِجْمَاعِ) لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ».
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ جَوَابَهُ) بِأَنْ قِيلَ مَثَلًا أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ، أَمَّا إنْ أَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْجَوَابِ فَلَا تَفْسُدُ فِي قول الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَفْسُدُ فِي قَصْدِ الْجَوَابِ لَا الْإِعْلَامِ.
قولهُ: (فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ) كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ قَصْدِ إعْلَامِهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا قَصَدَ هُنَاكَ إفَادَةَ مَعْنًى بِهِ لَيْسَ هُوَ مَوْضُوعًا لَهُ. قُلْنَا خَرَجَ قَصْدُ إعْلَامِ الصَّلَاةِ بِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ قَصْدِ إعْلَامِهِ، فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ. قَالَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ: لِي ثَلَاثُونَ سَنَةً أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ قولي الْحَمْدُ لِلَّهِ احْتَرَقَ السُّوقُ، فَخَرَجْت فَقِيلَ لِي سَلِمَتْ دُكَّانُك، فَقُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقُلْت تَسُرُّ وَلَمْ تَغْتَمَّ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَأَقْرَبُ مَا يَنْقُضُ كَلَامَهُ مَا وَافَقَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِالْفَتْحِ عَلَى قَارِئٍ غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ قُرْآنٌ وَقَدْ تَغَيَّرَ إلَى وُقُوعِ الْإِفْسَادِ بِهِ بِالْعَزِيمَةِ، وَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَقَالَ مِثْلَهُ مَرِيدًا جَوَابَ الْأَذَانِ أَوْ أَذَّنَ ابْتِدَاءً وَأَرَادَ بِهِ الْأَذَانَ فَسَدَتْ لِقَصْدِ الْجَوَابِ وَالْإِعْلَامِ لِوُجُودِ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ: أَعْنِي وَقْتَ الصَّلَاةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يُحَيْعِلَ. وَلَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لِسَمَاعِ ذِكْرِهِ تَفْسُدُ لَا ابْتِدَاءً، وَلَوْ قَرَأَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.

متن الهداية:
(وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ فَقَدْ نَقَضَ الظُّهْرَ) لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ (وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَهِيَ هِيَ وَيَتَجَزَّأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ وَبَقِيَ الْمَنْوِيُّ عَلَى حَالِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ) فَمَنَاطُ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَوَّلِ صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي الْمُغَايِرِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ، فَلِذَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ النَّفَلَ أَوْ الْوَاجِبَ أَوْ شَرَعَ فِي جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِمَا أَوْ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ لِلِانْفِرَادِ يَفْسُدُ مَا أَدَّى قَبْلَهُ وَيَصِيرُ مُفْتَتِحًا مَا نَوَاهُ ثَانِيًا.
قولهُ: (فَهِيَ) أَيْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الِافْتِتَاحِ الثَّانِي هِيَ: أَيْ الَّتِي يَحْتَسِبُ بِهَا أَوْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِافْتِتَاحُ الثَّانِي هِيَ الَّتِي هُوَ فِيهَا بَعْدَهُ فَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ فِيمَا بَقِيَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ بِاعْتِبَارِهَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَغَتْ نِيَّةُ الثَّانِيَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ إلَخْ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ مُسْتَأْنِفًا الْمَنْوِيَّ ثَانِيًا مُطْلَقًا.

متن الهداية:
(وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا هِيَ تَامَّةٌ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَالِكَ الْفَهْمُ، أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُؤَمُّ بِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا، وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قول الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ قِرَاءَةِ مَا تَعَلَّمَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيَّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيَّ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ، فَإِنَّ فِعْلَ الْخَارِجِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْجَامِعِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْإِفْسَادِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً تَفْسُدُ، وَقِيلَ بَلْ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ فَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ.
قولهُ: (فَالصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول مَنْ قَالَ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا فَسَدَتْ عَلَى قول مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهَا مِنْ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقولهُمْ لِأَنَّهُ تَلَقَّنَ غَلَطٌ، إذْ الْمُفْسِدُ التَّلَقُّنُ الْمُقْتَرِنُ بِقول مَا تَلَقَّنَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَكْتُوبِ غَيْرِ قُرْآنٍ، أَمَّا فِي الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا.
قولهُ: (أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ) وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ، فَقِيلَ مَا يَحْصُلُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَبِيَدَيْنِ كَثِيرٌ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ مِنْ بَعِيدٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ أَنَّهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ فِيهَا فَقَلِيلٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ. وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْمُصَلِّي إنْ اسْتَكْثَرَهُ فَكَثِيرُهُ مُفْسِدٌ وَإِلَّا لَا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمُؤَسَّسَةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ ابْنَهَا أَوْ رَضَعَهَا هُوَ فَنَزَلَ لَبَنُهَا فَسَدَتْ، وَلَوْ مَصَّ مَصَّةً أَوْ مَصَّتَيْنِ وَلَمْ تُنْزِلْ لَمْ تَفْسُدْ، وَبِثَلَاثٍ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ، وَلَوْ مَسَّ الْمُصَلِّيَةَ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ تَفْسُدُ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ. كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِوَجْهِ الْفَرْقِ. وَلَوْ رَأَى فَرْجَ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِشَهْوَةٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَلَا تَفْسُدُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَلَوْ كَتَبَ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ جَعَلَ مَاءَ الْوَرْدِ عَلَى رَأْسِهِ بِأَنْ تَنَاوَلَ الْقَارُورَةَ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ أَوْ سَرَّحَ أَحَدَهُمَا أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ بِمَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ ثَلَاثًا فِي رُكْنٍ يَرْفَعُ يَدُهُ كُلَّ مَرَّةٍ أَوْ قَتَلَ الْقَمْلَةَ بِمِرَارٍ مُتَدَارِكًا أَوْ رَمَى عَنْ قَوْسٍ أَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا. كَذَلِكَ أَوْ دَفَعَ الْمَارَّ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ تَعَمَّمَ أَكْثَرَ مِنْ كَوْرَيْنِ أَوْ تَخَمَّرَتْ أَوْ شَدَّ السَّرَاوِيلَ أَوْ زَرَّ الْقَمِيصَ أَوْ لَبِسَهُ أَوْ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَشَى قَدْرَ صَفَّيْنِ دَفْعَةً أَوْ تَقَدَّمَ أَمَامَ الْوَجْهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ صَفٍّ أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ بِمَدِّ رِجْلَيْهِ تَفْسُدُ، لَا إنْ كَسَبَ أَوْ شَرِبَ أَوْ تَعَمَّمَ أَوْ حَكَّ أَوْ مَشَى أَوْ نَتَفَ أَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَّاهُ أَوْ غَيْرَ مُتَدَارِكٍ أَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْقَارُورَةَ بَلْ كَانَ فِي يَدِهِ فَمَسَحَ بِهَا أَوْ نَزَعَ اللِّجَامَ أَوْ الْقَمِيصَ أَوْ سَاقَ بِرَجْلٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ. وَقولهُمْ إذَا دَفَعَ الْمَارَّ بِيَدِهِ تَفْسُدُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكَرُّرِ دُونَ فَتْرَةٍ لِيَكُونَ عَمَلًا كَثِيرًا، وَإِلَّا فَالدَّفْعَةُ الْوَاحِدَةُ عَمَلٌ قَلِيلٌ.
وَقَدْ قَالُوا فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ إنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ لَا تَفْسُدُ. وَبِالْكَثِيرِ تَفْسُدُ. بَلْ اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالْكَثِيرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ بِالنَّصِّ فَكَانَ كَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ بِالنَّصِّ. وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْحَيَّةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسَادِ بِكَوْنِهِ كَثِيرًا.

متن الهداية:
(وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَارَّ آثِمٌ» لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَتُحَاذِي أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ) خَصَّهَا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى رَدِّ قول الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّ مُرُورَهَا يُفْسِدُ، وَكَذَا الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ عِنْدَهُمْ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي، فَإِنْ قَامَ بَسَطْتُهَا». وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. وَقولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» وَفِي سَنَدِهِ مُجَالِدٌ فِيهِ مَقَالٌ، وَإِنَّمَا رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالُوا: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ضَعَّفَ رَفْعَهُ وَوَقَفَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: حَدِيثُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالرِّوَايَاتُ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ. قُلْنَا: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: وَذَكَرَتْ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْتُ عَنْ الْحِمَارِ وَتَرَكْتُهُ أَمَامَ الصَّفِّ فَمَا بَالَاهُ» وَلَمْ نَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَامَ الْمُعَارِضُ فِيهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلْبِ، وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ ذَلِكَ عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُهُ، بِخِلَافِ مُعَارِضِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا مُحَكَّمَانِ فِي عَدَمِ الْإِفْسَادِ. وَيَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمْلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِمَّا لَمْ يُعَارَضْ بِهِ الْمُحَكَّمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولِ يَقْطَعُ، فَإِذَا لَزِمَ فِي عَامِلِهِ هَذَا كَوْنُ الْمُرَادِ قَطْعَ الْخُشُوعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ لَزِمَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلْبِ أَيْضًا ذَلِكَ وَإِلَّا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ إلَّا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أُمِنَ الْمُرُورُ.
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضِرُ: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَسَاقَهُ، وَفِيهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْئُولَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ خِلَافَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ مَالِكًا، وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ أَبِي جُهَيْمٍ بَعَثَ بُسْرًا إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ وَهَلْ عِنْدَهُ مَا يُخَالِفُهُ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا وَجَزَمَ الْآخَرُ، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ فَحَدَّثَ بِهِمَا. غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا حَفِظَ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ وَابْنَ عُيَيْنَةَ حَفِظَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ.
قولهُ: (وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) قِيلَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ هُوَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ، وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ نَحْوَ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِيَامِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ فِي سُجُودِهِ وَفِي حِجْرِهِ فِي قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ فِي سَلَامِهِ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَا يُكْرَهُ. وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَا صُحِّحَ فِي النِّهَايَةِ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ، وَإِنْ كَانَ الْمَارُّ أَسْفَلَ وَهُوَ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ سُجُودُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ دُون مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ. وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مَمْشًى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرُ مَنْقُوضٍ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ. فَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا: يَعْنِي أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ الْمَسْجِدِ فَيَمُرَّ فِيمَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ.
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ فِي الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُرُّ مَا وَرَاءَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرَ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَحَائِطِ الْقِبْلَةِ. وَمُنْشَأُ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَمَنْ فَهِمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ يَخُصُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ سُجُودِهِ قَالَ بِهِ، وَمَنْ فَهِمَ أَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَفَاهُ وَعَيَّنَ مَا وَقَعَ عِنْدَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرَجُّحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْتِ بِرُمَّتِهِ اُعْتُبِرَ بُقْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ بَعِيدٍ فَيُجْعَلُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا.
قولهُ: (وَيُحَاذَى إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ الدُّكَّانُ قَدْرَ الْقَامَةِ فَهُوَ سُتْرَةٌ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَدَّهُ بِطُولِ السُّتْرَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ، وَغَلَّظَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً وَكَذَا الدَّابَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا: حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي فَتَصِيرَ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرَّ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّيَ.

متن الهداية:
(وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً» (وَمِقْدَارُهَا ذِرَاعٌ فَصَاعِدًا) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» (وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا» (وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ عَلَى الْأَيْسَرِ) بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ») غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلِيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ».
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَعْجِزُ إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ جَعَلْتَ بَيْنَ يَدَيْكَ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلَا يَضُرُّكَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْكَ» وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ».
قولهُ: (مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ آخِرُهُ. وَتَشْدِيدُ الْخَاءِ خَطَأٌ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ عَرِيضَةٌ تُحَاذِي رَأْسَ الرَّاكِبِ.
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى) إلَخْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه: «لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ».
قولهُ: (بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ) قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا». وَقَدْ أُعِلَّ بِالْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ وَبِجَهَالَةِ ضُبَاعَةَ، وَبِأَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ السَّكَنِ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ أَبِيهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى عَامُودٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ شَيْءٍ فَلَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الِاضْطِرَابِ وَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يُعْمَلُ بِمِثْلِهِ فِيهِ.

متن الهداية:
(وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى بِبَطْحَاءَ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ (وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ (وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَيَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَوْ يَدْفَعُ بِالتَّسْبِيحِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ (وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً.
الشَّرْحُ:
قولهُ: («لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا». وَقول الْمُصَنِّفِ: وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ.
قولهُ: (الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَيْثُ يُغْرَزُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ تُوضَعُ. وَقِيلَ لَا تُوضَعُ، وَأَمَّا الْخَطُّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزَهُ أَوْ يَضَعَهُ. فَالْمَانِعُ يَقول لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ، وَالْمُجِيزُ يَقول وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ، وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأُولَى. وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا بِعَرْضٍ مِثْلِ الْهِلَالِ.
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ») تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَمَعْنَاهُ فِي السُّنَّةِ كَثِيرٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ.
قولهُ: (كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ) رَوَى ابْن مَاجَهْ عَنْهَا قَالت: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْن أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةٌ بِاسْمِهِ. وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَأَنَّ أُمَّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ. قِيلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا قَالَ عَنْ أُمِّهِ، لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إلَّا عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُعْرَفُ فَقَدْ عَرَفَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِقولهِ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي الْكَمَالِ وَالتَّهْذِيبِ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
قولهُ: (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ».